باحثون من “ديب مايند” يطورون نظام ذكاء اصطناعي يمكنه الكشف عن أكثر من 50 نوعاً من أمراض العيون بدقة الأطباء الخبراء

طور باحثون من شركة الذكاء الاصطناعي “ديب مايند” التابعة لشركة “جوجل” بالشراكة مع كلية “UCL” و مستشفى طب العيون “مورفيلدز” منتجا طبيا جديدا يعتمد على خوارزميات تعلم الآلة يمكنه اكتشاف أكثر من 50 نوعًا من أمراض العيون الشائعة من خلال عمليات المسح الثلاثية الأبعاد للشبكية بنفس الدقة مثل الأطباء الخبراء.

و كان هذا العمل نتيجة تعاون متعدد السنوات بين المؤسسات الثلاث. وعلى الرغم من أن البرنامج غير جاهز للاستخدام السريري ، إلا أنه يمكن نشره في المستشفيات في غضون سنوات. وقال “مصطفى سليمان” ، رئيس قسم الصحة في “ديب مايند” ، في بيان صحفي إن المشروع كان “مثيرًا للغاية” ويمكن أن :”يتحول في الوقت المناسب إلى التشخيص والعلاج والإدارة لمساعدة المرضى الذين يعانون من مشاكل في العين في جميع أنحاء العالم” .

يعتمد البرنامج ، الموضح في بحث منشور في المجلة العلمية “نايتشر مديسين” ، على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم خوارزميات متقدمة لتحديد الأنماط الشائعة عبر البيانات. و في هذه الحالة ، تكون البيانات عبارة عن عمليات مسح ثلاثية الأبعاد لعين المرضى باستخدام تقنية تعرف بالتصوير المقطعي البصري “OCT”.

و يستغرق إنشاء هذه الفحوصات حوالي 10 دقائق وينطوي على إطفاء ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة من الأسطح الداخلية للعين. يؤدي القيام بذلك إلى إنشاء صورة ثلاثية الأبعاد للأنسجة ، وهي طريقة شائعة لتقييم صحة العين. تُعتبر فحوصات “OCT” أداة طبية حاسمة ، حيث إن الكشف المبكر عن مرض العين يزيد في الكثير من الأحيان فرص الوقاية.

تم تدريب البرنامج على ما يقرب من 15 ألف مسح ضوئي من حوالي 7500 مريض. وقد تم علاج هؤلاء الأفراد في مستشفيات “مورفيلدز” ، وهي الأكبر في مجال طب العيون في أوروبا وأمريكا الشمالية. و تم تغذية النظام بعمليات المسح إلى جانب التشخيص من قبل الأطباء البشريين. و من هذا ، تعلم البرنامج  كيفية التعرف أولاً على العناصر التشريحية المختلفة للعين (وهي عملية تعرف بالتجزؤ) ثم توصي بالعمل السريري على أساس العلامات المختلفة للأمراض التي تظهرها عمليات الفحص.

و خلال المشروع الذي استمر لمدة عامين وبعد تقييم من قبل لجنة من ثمانية أطباء ، حقق النظام الآن أن نجاحا كبيرا بتحقيقه لنسبة دقة تقدر بـ 94٪ ، والأمل هو أنه يمكن استخدامه في النهاية لتحويل كيفية إجراء اختبارات العين حول العالم.

و تعد مثل هذه النتائج مشجعة للغاية ، لكن الخبراء في المجتمع الطبي ما زالوا قلقين بشأن كيفية دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في ممارسات الرعاية. و يقول “Luke Oakden-Rayner” ، وهو أخصائي أشعة كتب بشكل مكثف حول هذا الموضوع ، إن التقدم في الذكاء الاصطناعي يدفعنا بسرعة نحو نقطة تحول حيث لم تعد البرمجيات أداة يستعملها الطبيب ويفسرها ، بل شيء ما يجعل يقرر نيابة عن البشر .

و يضيف أن هذه هي النقطة التي يصبح فيها خطر الذكاء الاصطناعي على المجال الطبي أكبر بكثير. حيث إن عدم قدرتنا على توضيح كيفية وصول الأنظمة الذكية إلى قرارات معينة موثقة بشكل جيد. وكما رأينا مع حوادث السيارات ذاتية القيادة ، فهناك دائمًا احتمال أن يرتكب الكمبيوتر خطأ فادحًا في الحكم.

و يدرك الباحثون من “ديب مايند”” و “UCL” و “مورفيلدز” هذه المشكلات ، وتحتوي برامجهم على عدد من الميزات المصممة للتخفيف من هذا النوع من المشكلات.

أولاً ، لا يعتمد البرنامج على خوارزمية واحدة تتخذ القرار ، بل مجموعة منها ، ويتم تدريب كل منها بشكل مستقل بحيث يتم تجاهل أي خطأ غريب من قبل الأغلبية. ثانيًا ، لا يبسط النظام إجابة واحدة لكل تشخيص. بدلا من ذلك ، فإنه يعطي عدة تفسيرات محتملة ، جنبا إلى جنب مع ثقته في كل واحد. كما يبين كيفية وصف أجزاء من عين المريض ، مما يتيح للأطباء فرصة لتحديد التحليل الخاطئ.

لكن الأهم من ذلك ، أن البرنامج ليس أداة تشخيصية مباشرة. وبدلاً من ذلك ، تم تصميمها لاستخدامها في عملية الفرز ، وهي عملية تحديد المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية أولاً. لذا ففي حين أنها تخمن الشروط التي قد تكون لدى المريض ، فإن التوصية الفعلية التي يقدمها هي مدى الحاجة العاجلة إلى إحالة الفرد للعلاج.

استخدام البيانات

إلى جانب إمكانيات التطبيق السريرية ، فإن هذا البحث مثير للاهتمام أيضًا كمثال على كيفية استفادة شركات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى مجموعات البيانات القيمة. وقد تعرضت شركة “DeepMind” ، على وجه التحديد ، لانتقادات في الماضي بشأن كيفية وصولها إلى بيانات من المرضى الذين عولجوا من قبل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) الممولة من القطاع العام في المملكة المتحدة.

و في عام 2017 ، حكمت هيئة الرقابة على البيانات في المملكة المتحدة أن الصفقة التي أبرمتها الشركة في عام 2015 كانت غير قانونية لأنها فشلت في إبلاغ المرضى بشكل صحيح عن كيفية استخدام بياناتهم. (منذ ذلك الحين تم إلغاء الصفقة.)

لم يكن البحث اليوم ممكنًا دون الوصول إلى هذه البيانات نفسها. وعلى الرغم من أن المعلومات المستخدمة في هذا البحث كانت مجهولة المصدر ويمكن للمرضى الانسحاب ، إلا أن برامج التشخيص التي تم إنشاؤها من هذه البيانات تنتمي فقط إلى “ديب مايند”.

وتقول الشركة انه إذا تمت الموافقة على استخدام البرنامج في إطار سريري ، فسيتم توفيره مجانًا لأطباء مستشفيات “مورفيلدز” لمدة خمس سنوات. لكن هذا لا يمنع “ديب مايند” من بيع البرنامج إلى مستشفيات أخرى في المملكة المتحدة أو دول أخرى.

عين على المستقبل

بغض النظر عن هذه المشكلات ، من الواضح أن خوارزميات تعلم الآلة مثل هذه يمكن أن تكون مفيدة بشكل كبير. و يقدر أن حوالي 285 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من مشكلة قد تؤدي الى فقدان البصر .

و تُعتبر فحوصات “OCT” أداة عظيمة لاكتشاف مرض العين (تم تنفيذ 5.35 مليون في الولايات المتحدة وحدها في عام 2014) ، ولكن تفسير هذه البيانات يستغرق وقتًا ، مما يخلق مشكلة في عملية التشخيص. و إذا كانت الخوارزميات قادرة على مساعدة المرضى عن طريق توجيه الأطباء إلى الأشخاص الأكثر احتياجا للرعاية ، فقد تكون مفيدة للغاية.

وكما قال الدكتور “بيرس كين” ، استشاري طب العيون في “مورفيلدز” الذي شارك في البحث ، في بيان صحفي: “إن عدد فحوصات العين التي نقوم بها ينمو بوتيرة أسرع بكثير مما يستطيع الأطباء الإشارف على تشخيصه . هناك خطر من أن هذا قد يسبب تأخيرات في تشخيص وعلاج الأمراض التي تهدد البصر”.

و أضاف : “إذا تمكنا من تشخيص مشاكل العين وعلاجها في وقت مبكر ، فهذا يمنحنا أفضل فرصة لإنقاذ الناس. ومع مزيد من البحث ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الاتساق والجودة في توفير الرعاية للمرضى الذين يعانون من مشاكل في العين في المستقبل “.

شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي “OpenAI” تطور نظاماً يمنح الروبوتات القدرة على تعلم المهارات البشرية

المصدر