كيف ساهمت “ثورة” الشركات المصرية الناشئة في تعزيز المشهد التكنولوجي في إفريقيا ؟

كان وقت الغداء في مكتبه في العاصمة اللبنانية بيروت حين راودت الفكرة أول مرة وليد عبد الرحمن. حيث كان مشغولا مهنيا و كان رجل الأعمال المصري يختار بين تناول الطعام السريع المليء بالدهون أو الوجبات المرتفعة الأثمان و لكنها صحية من المطاعم القريبة ، و ثمة دائما خيار آخر هو أن تطلب وجبة مطبوخة في المنزل من تاجر محلي، و التي كانت مغذية و لكن لم تكن متاحة بانتظام أو تصل في الوقت المحدد.

و انتبه وليد إلى أن معظم هؤلاء النساء حققن عوائد لابأس بها من خلال الطهي لأحداث الشركات الكبرى أو خلال الاحتفالات الدينية مثل رمضان و الأعياد. و مثل ماهو حال الطهاة في وطنه الأم مصر لم يكن هناك تواصل جيد مع العملاء، و كثير من الذين كانوا موظفين مشغولين دائما مثله يبحثون عن خيارات أكثر صحية.

” إذا كانت هذه الفكرة ناجحة فتسمح للنساء بتوسيع أعمالهم و أن يعملوا شيئا هم متحمسون له و كذلك تحقيق الحرية المالية”.

و هكذا في أكتوبر 2015 استقال وليد من منصبه كمدير عام للنسخة العربية لمجلة MIT Technology Review، وعاد إلى القاهرة ليبدأ خدمة الطعام Mumm حسب الطلب. و تقوم المنصة التي تضم كلا من الطهاة المصريين و السوريين اللاجئين بتدريبهم على سلامة الأغذية و جودتها و التسويق و تساعد في نهاية المطاف على تقديم وجبة ساخنة صحية للعملاء في مدة تتراوح بين 60 و 90 دقيقة.

الكثير من الشركات المصرية الناشئة حققت نجاحا برغم الصعوبات

هذا الشعور الجريء بالإنجاز هو أمر يسيطر على مستقبل الشركات المصرية الناشئة لأنها تعمل على اكتساب صورة بارزة في المشهد التكنولوجي في أفريقيا. وعلى الرغم من بعض التضييقات على الحريات المدنية و المواقع المستقلة و بعض الحوادث الأمنية، و كذلك الهبوط الحاد في خدمات السياحة لا يزال المشهد التكنولوجي الوليد في مصر نقطة مضيئة للبلاد.

و بعد سنوات من الخوف من الاضطرابات السياسية يعود المستثمرون إلى تمويل الشركات الناشئة والذي قفزت نسبة نموها بـ 105٪ في عام 2016.

و قد ساعد السوق المصري الكبير الذي يضم ما يقرب من 100 مليون نسمة في حماس العديد من الشباب من الفنيين و التقنيين و مع زيادة انتشار الإنترنت و كذلك انتشار عدم الكفاءة في القطاع العام في تعزيز هذا التحول التكنولوجي.

و قد أتاح أيضا بيئة يستطيع فيها الكثيرون الحصول على فرص العمل في القطاع الرقمي أو التأثير أو تغيير الديناميات الاجتماعية و الأسرية و بناء مستقبل أفضل.

منذ ثورة الربيع العربي عام 2011 تم إنشاء العديد من الشركات المصرية الناشئة مثل (Instabug) للكشف عن الثغرات و الإبلاغ عنها . (Bey2ollak) للمعلومات حول حركة المرور،  (Yaoota) لمقارنة أسعار التسوق عبر الإنترنت، (ElWafeyat) لرقمنة خدمات النعي. (Nafham) توفر كورسات تعليمية مجانية على الانترنت.

بعض من هذه الشركات الناشئة مثل منصة التوظيف على الانترنت Wuzzuf و Instabug تم دعمها من قبل مسرعات وادي السيليكون و إنشاء مكاتب لها في سان فرانسيسكو.

ويقول البعض إن هذه الطفرة هي أعراض ترتبط ارتباطا مباشرا بالمظاهرات الشعبية التي هزت البلاد في عام 2011 و أجبرت حسني مبارك الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود على التنحي. في حين أن قدرا كبيرا من العمل الذي تم في السنوات السابقة يرجع بالأساس الى المجتمع المدني الذي له تأثير كبير حسب “أميرة أحمد” التي لديها أكثر من عشر سنوات خبرة في العمل و الكتابة عن المشهد التكنولوجي في مصر.

Screenshot_13.jpg

الحرم اليوناني  GrEEK Campus 

أفضل مكان لتوثيق المشهد التكنولوجي الناشئ هو زيارة الحرم اليوناني GrEEK Campus الذي يقع في وسط مدينة القاهرة على بعد بضعة مباني حيث اندلعت احتجاجات الثورة الرئيسية في ميدان التحرير.

تم تأسيسه في عام 2013 و هو الأول من نوعه في مصر حيث يوفر مساحات خاصة و مشاركة الخبرات مع الشركات المصرية الناشئة فضلا عن تأسيس شركات متعددة الجنسيات في التكنولوجيا و الإعلام.

و أسس الحرم “أحمد الألفي” الذي أصبح في السنوات الأخيرة عضوا فاعلا في صناعة التكنولوجيا و الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.

“أحمد الألفي” هو رئيس شركة Sawari Ventures و هي شركة تهدف إلى تطوير الاقتصادات الإقليمية من خلال الاستثمار في الشركات ذات التأثير العالي و هو أيضا المؤسس المشارك ل Flat6Labs، مسرع أعمال رائد في المنطقة والذي يقدم التمويل الأولي و الدعم للعديد من رجال الأعمال.

تم إنشاء الحرم الجامعي في وقت كان فيه النظام التكنولوجي المحلي غير مواتي لرجال الأعمال و الشركات المصرية الناشئة . و كانت هناك عقبات كثيرة في ذلك الوقت أهمها الحصول على التمويل. و يقول أحمد أيضا إن الأداء الحكومي و ضعف البنية التحتية و الافتقار إلى المهارات التقنية و القوانين التي تثبط روح المبادرة و عدم القدرة على اتباع أفضل الممارسات الإقتصادية لضمان الاستدامة على المدى الطويل هي بعض المشاكل التي يعاني منها القطاع.

ولكن الألفي الذي كان مستثمرا في المراحل الأولية في الخارج و كان مستعدا لاحتضان و رعاية الشركات الصغيرة. إحدى الشركات التي شارك في تأسيسها في ذلك الوقت كانت Nafham و هي منصة تعليمية مجانية على شبكة الإنترنت توفر دروسا تعليمية لمدة 5-15 دقيقة تغطي المناهج المصرية و الجزائرية و السعودية و السورية من المدارس الابتدائية إلى الثانوية.

يتضمن البرنامج 23000 مقطع فيديو و تضم المنصة أكثر من 430000 مشترك يشاهدون الدروس من خلال قناته على يوتيوب. و تحتوي المنصة أيضا على المعلمين الذين يجيبون عن أسئلة الطلاب و للتحقق من صحة أشرطة الفيديو التي تم تحميلها من قبل المساهمين.

و يقول “مصطفى فرحات” و هو عضو مشارك في الشركة : “نفهم أنه يمكن للتكنولوجيات الرقمية أن توفر التعليم في بلدان تعاني من البنية التحتية الفقيرة و اكتظاظ المدارس التي تعرقل التنمية الكاملة للأطفال”.

و بعد خمس سنوات من العمل يقول فرحات إنهم يريدون الآن تجربة الذكاء الاصطناعي و كيفية تعزيز مستويات التعلم الفردية. كما يرغبون في تقديم نموذج خدمة متميزة من شأنه أن يتيح للطلاب الحصول على دعم شامل.

Screenshot_12.jpg

المبادرات هي الأساس

الرغبة في حل المشاكل التي حتى الحكومات لا تزال غير قادرة على حلها هي أيضا ما دفع مصطفى قنديل لإطلاق Swvl في أوائل عام 2017. خدمة النقل بالحافلات في القاهرة و التي تسمح للركاب بتخصيص تنقلهم من خلال إيجاد أقصر الطرق، و الحجز و الدفع من خلال التطبيق المحمول للشركة.

و قال “قنديل” و هو مسؤول تنفيذي سابق في شركة “كريم” ، التي تتخذ من دبي مقرا لها: “بالنسبة لنا كان الأمر غير قابل للتنفيذ و الآن نحن نحقق زيادة كبيرة في الطلب “.

وبعد ثلاثة أشهر فقط من بدء تشغيلها استثمرت شركة “كريم” 500 ألف دولار في “سوفل” التي تدير حاليا مئات الحافلات و تخدم آلاف العملاء يوميا. كما أعلنت أوبر عن خطط لإطلاق خدمة حافلات وطنية في مصر.

وقد بدأت شركة سوفل بالفعل العمل في الإسكندرية، و يقول “قنديل” أنهم يأملون في التوسع إلى الأردن و باكستان و السعودية.

ولكن لإطلاق و توسيع هذه الشركات عالميا هناك حاجة ملحة لربط الشركات الناشئة بالموارد ذات الصلة. منذ عام 2013 يدير “عبد الحميد شرارة” مؤتمر “RiseUp” و هو حدث سنوي للابتكار يجمع بين المستثمرين و رجال الأعمال من مصر و جميع أنحاء العالم من أجل إقامة شراكات جديدة. هذا الحدث الذي يستمر ثلاثة أيام و الذي يقام في الحرم اليوناني يوفر لـ الشركات المصرية الناشئة الوصول إلى المواهب و الاتصالات و رأس المال الذي تحتاجه.

كما شجع المؤتمر برامج الاستثمار مثل إنجاز Injaz و  Wamda و  Cairo Angels لزيادة تسريع النظام الإيكولوجي لريادة الأعمال التكنولوجية في مصر. و في أعقاب هذه الخطوات أنشأت الحكومة أيضا حاضنة مركز الابتكار التكنولوجي و ريادة الأعمال لدفع الابتكار و الاستفادة من الاقتصاد الوطني.

riseup-summit-2016-day-one-image-by-dan-taylor-dandantaylorphotography-com-22 (1).jpg

تحسين النظام الإيكولوجي لريادة الأعمال

و يتمثل ذلك في تحسين إمكانية الحصول على التمويل و يقول المراقبون إن هناك حاجة إلى خطوات كبيرة للنهوض بهذا القطاع . و يقول أحمد إن هناك الكثير من التركيز على التمويل الأولي و لكن المزيد من صناديق رأس المال الاستثماري و صناديق الأسهم الخاصة يجب أن تنضم لمواكبة العدد المتزايد من الشركات الناشئة التي تحتاج إلى الانتقال إلى مرحلة التطوير.

و إذا كانت الحكومة جادة في دعم هذا المجال فينبغي لها أيضا أن تضع سياسات تجعل من السهل على هذه الشركات المصرية الناشئة تنمية أعمالها.

و يقول وليد : “لا يزال أمامنا الكثير للقيام به. لكن هناك مبادرات كثيرة نشطة تنمو بسرعة و التي يحكمها عقد اجتماعي يحتوي على الكثير من الطموحات التي تدفعنا نحو بناء الغد و جعل مصر مكانا أفضل “.


اقرأ أيضا :


الشركة المصرية الناشئة إيفنتوس”Eventtus” تحصل على تمويل جديد بقيمة 2 مليون دولار

المصدر