مسبار باركر الشمسي ينطلق في رحلة تستمر لحوالي سبع سنوات لدراسة الغلاف الجوي الخارجي للشمس

في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد ( وبعد تأجيل لمدة 24 ساعة بسبب مشكلة في الصاورخ الثقيل دلتا 4) ، انطلقت المركبة الفضائية “باركر سولار” التابعة لناسا من محطة كيب كانافيرال في فلوريدا في رحلتها لـ “لمس الشمس” ، ومن المتوقع أن يصل مسبار باركر الشمسي إلى مسافة تقدر بحوالي 6 ملايين كيلومتر من النجم الأم لنظامنا الشمسي، و هي أقرب مسافة تحققها مركبة فضائية من أي وقت مضى.

وتعود خطط إرسال مسبار لدراسة الهالة الشمسية إلى عام 1958. في بدايات وكالة ناسا التي أدرجت 14 مهمة مختلفة يتعين عليها تحقيقها ، بما في ذلك زيارة جميع كواكب المجموعة الشمسية. وقد أنجزت جميع البعثات الأربع عشرة بشكل أو بآخر ، باستثناء مهمة واحدة: همة تقترب من الشمس (دون الذوبان).

وكما حددت ناسا أهدافها على المدى الطويل ، نشر عالم الفيزياء الفلكية “يوجين باركر” نظريته حول كيفية إطلاق النجوم للطاقة. وتنبأ بأن أجواء النجوم مثل شمسنا تصبح حارة لدرجة أنها تتدفق إلى الخارج باستمرار ، حيث تتأثر جميع الكواكب المحيطة بها بهذه الجسيمات.

و جاء “باركر” بمصطلح “الرياح الشمسية” لوصف هذه الظاهرة. وقد عارض معظم المجتمع العلمي وجود الرياح الشمسية حتى عام 1962 عندما غاصت مركبة فضائية تابعة لناسا تدعى “مارينر 2” في الفضاء السحيق وقاست بالفعل جزيئات الرياح الشمسية لأول مرة.

و بعد ستين عاما ، صنعت ناسا أخيرا مسبارها الشمسي الذي تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار و قامت بتسميته باسم العالم الذي شكل عمله الأساس لهذه المهمة.

سوف تحلق المركبة الفضائية عبر الغلاف الجوي الخارجي للشمس ، حيث تجذب الجسيمات وتتخذ قياسات يأمل العلماء أن تحل لغز حرارة الهالة الشمسية.

و للوصول إلى هدفه المداري بنجاح ، يحتاج مسبار باركر الشمسي إلى مغادرة الأرض بسرعة مذهلة حيث سيعتمد صاروخ “دلتا 4” الضخم التابع لشركة “إئتلاف الإطلاق المتحد” ، و الذي يحتل المرتبة الثانية في قوة الإطلاق بعد صاروخ “فالكون هيفي” من “سبيس إكس”.

وبمجرد أن تودع المركبة الفضائية الأرض ، فإنها سوف تتجول حول الزهرة في مناورة تدعى مساعدة الجاذبية التي من شأنها أن تبطئ المركبة الفضائية وتتحكم بدقة في نهجها عبر 24 مدارًا تقطعها على مدى سبع سنوات ، والتي ستسحب المركبة الفضائية في طريقها الى الشمس .

و سيحقق المسبار رقم قياسي جديد كأسرع مركبة فضائية، حيث ستصل إلى سرعة قصوى تقدر بحوالي 700 ألف كيلومتر في الساعة لتقترب من الشمس في آفاق ديسمبر 2024. و على سبي المثال فهذه السرعة كافية للسفر بين نيويورك ولوس أنجلوس في 20 ثانية فقط .

و يرجع الرقم القياسي السابق لمسبار “جونو” التابع لناسا و الذي سجل أثناء انتقاله في مدار حول كوكب المشتري في يوليو 2016 ، سرعة 266 كيلومتر في الساعة.

و خلال رحلته عبر المدارات، ، سيستخدم المسبار مجموعته المكونة من أربع أجهزة علمية لتحليل الجسيمات الشمسية والبلازما بالإضافة إلى المجالات الكهربائية والمغناطيسية داخل الهالة الشمسية في مهة يأمل العلماء ان تساهم في حل ثلاثة ألغاز علمية كبرى حول نجمنا المحلي : لماذا يصبح غلافه الجوي أكثر حرارة من سطحه ؟ ، وكيف تولد الرياح الشمسية الجسيمات المشحونة المتدفقة إلى الفضاء ؟. بالإضافة الى تأثير ظاهرة انبعاثات كتل اكليل الشمس و ارتباطها بالطقس الفضائي.

63671.png

تغيرات الحرارة في الهالة الشمسية

نجمنا المضيف هو لغز غامض : حيث يتم توليد الحرارة في قلب الشمس لتشع و تنبعث الى خارجها ، ومع ذلك فإن الغلاف الجوي الخارجي للشمس (كورونا) يكون أكثر حرارة بمقدار 300 مرة تقريبًا من السطح. و بالنسبة لنا يبدو أن هذه الحقيقة تخالف قوانين الديناميكا الحرارية (فكلما ابتعدت عن الموقد ، كلما قلت حرارة الطقس ، أليس كذلك؟) .

ليس في الـ (كورونا) و كما يقول “باركر” ، وهو بروفيسور فخري في جامعة شيكاغو : “إن الشمس هي اللغز الأساسي في الكون ، و  نظرًا لأنه النجم الوحيد الذي يمكننا دراسته عن قرب ، فإن فهمه يساعدنا على فهم جميع النجوم بشكل أفضل “.

تهدف المهمة إلى الإجابة على ثلاثة أسئلة أذهلت علماء الفيزياء الفلكية على مدى عقود: المهمة الأولى تتعلق بالإجابة على سؤال : ماهي الآلية المسؤولة عن حرارة الغلاف الجوي الخارجي للشمس ؟. و يشك العلماء في أن الجواب يتعلق بمجال الشمس المغناطيسي. حيث تخزن خطوط المجال المغنطيسي الطاقة وتحولها في الفوتوسفير (الذي نعتبره سطح الشمس) و تطلقها إلى الغلاف الجوي للنجم ، ولكن كيف ومتى يحدث هذا الأمر هذا مايطمح العلماء لفهمه . و كما يقول “نيكولولين فيال” ، عالم الفيزياء الفلكية في مركز غودارد للطيران الفضائي التابع لناسا : “إذا استطعنا اكتشاف ذلك ، فسنحل مشكلة جوهرية حول الكون بشكل عام”.

و تتمثل المهمة الثانية في دراسة الرياح الشمسية ، وهي عبارة عن عدد كبير من الجسيمات المشحونة التي تطلقها الشمس في الفضاء. حيث تخترق هذه الاشعاعات النظام الشمسي لتشمل كل كوكب ، قمر ، كويكب و مذنب .

Screenshot_16.jpg

و سوف يحلق مسبار باركر الشمسي مباشرة أقرب من خلالها ، ليسلط الضوء على العمليات الغامضة التي تولد الرياح الشمسية. و التي تم اقتراحها في دراسات “باركر” التي ترجع لعام 1958 ، و لا تزال الرياح الشمسية تحير العلماء بسلوكها الغريب : فبدلاً من التخلص من أبعد ما تحصل عليه من الشمس ، فإن الرياح الشمسية تلتقط السرعة فعليًا و تحولها بطريقة ما من نسيم ثابت إلى تدفق أسرع من الصوت بعيدًا عن الهالة بسرعة تصل الى ملايين الأميال في الساعة.

و ترتبط اضطرابات الرياح الشمسية و غموض الـ (كورونا) بما يتفق عليه العلماء : حيث عندما تتدفق بلازما الشمس عبر خطوط المجال المغناطيسي ، يمكن أن تخلق تيارات كهربائية تؤدي بدورها إلى خلق حقول مغناطيسية أكثر. في بعض الأحيان تتشابك هذه الخطوط وتتحرك في النهاية ، فتُطلق كميات كبيرة من الطاقة في البلازما المحيطة في شكل إشعاع شمسي. فبالإضافة إلى وابل من الانفجارات الصغيرة (يطلق عليها نانوفلار nanoflares ، كل منها لديها قوة قنبلة هيدروجينية 50 ميغا طن) على سطح الشمس ، يمكن أن تشكل درجة حرارة عالية في الـ (كورونا).

و أخيراً ، سيحقق المسبار في ظاهرة تسمى الطقس الفضائي. تبدو الشمس من الأرض ككرة متوهجة هادئة ، ولكنها في الواقع  مضطربة تقذف باستمرار نوبات الغضب. و أثناء “نوبات الغضب” هذه ، يقوم نجمنا أحيانًا بتدفق رشقات الإشعاع وعقد البلازما في الفضاء.

يمكن للرياح الشمسية أن تحمل في الواقع جزءًا من المجال المغناطيسي للشمس ، والذي يتعارض مع المجال المغناطيسي الخاص بنا. هذا يمكن أن يسبب اختلالات في الطقس الفضائي التي يمكن أن يكون لها بعض العواقب الكبيرة تصل الى تأثر الأنظمة الإلكترونية على الأرض مثل شبكات الكهرباء والكابلات البحرية.

و تتسبب أكثر هذه الاشعاعات تطرفاً ، و المعروفة باسم انبعاثات كتل اكليل الشمس ، في تدمير أنظمة حيوية مثل شبكات الطاقة و سواتل الاتصالات ، كما يمكنها ان تقذف رواد الفضاء بجرعات ضارة من الاشعاع.

Screenshot_14.jpg

و لا تزال بعض الأسئلة تحير العلماء حول كيفية تسارع أيونات الرياح الشمسية ، أو لماذا تكون الأيونات والإلكترونات في الـ (كورونا) أكثر سخونة  من سطح الشمس ؟ ، حوالي 950 ألف درجة مئوية،  ، وهي درجة حرارة معتدلة نسبيا تبلغ 5500 درجة مئوية.

و على الرغم من أن المجال المغناطيسي لكوكبنا يحمينا من الكثير من اشعاعات الشمس ، إلا أن طبقة الجماية يمكن أن تخترق في بعض الأحيان. و ستوضح لنا قياسات مسبار باركر الشمسي تفاصيل إضافية عن هذه الظاهرة ، مما قد يؤدي إلى تنبؤات محسنة لأحداث الطقس الفضائي الخطيرة. و يقول “نيكي فوكس” ، الباحث في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية: “سنرى كيف سينتقل ما يحدث في الشمس إلى ما نراه ونختبره هنا على الأرض”.

عند استكشاف القوة الكاملة للحرارة والاشعاعات الحارقة في الشمس ، ستساعدنا المركبة الفضائية على فهم مضيفنا النجمي الخاص بالإضافة إلى النجوم الأخرى في جميع أنحاء الكون. و قال “باركر” : “إن المسبار الشمسي يذهب إلى منطقة من الفضاء لم يتم استكشافها من قبل”. “من المثير جدًا أننا سنلقي نظرة قريبة”.

أسلحة مسبار باركر الشمسي

Screenshot_15.jpg

تسافر المركبة الفضائية التي يبلغ ارتفاعها 10 أقدام وعرضها 3 أقدام باتجاه الهالة الشمسية ، مع درع حراري يبلغ طوله 8 أقدام و سمه 4.5 بوصة (11.43 سم) لحمايتها من الحرارة المباشرة. و سوف تحافظ على حرارة أجهزة المركبة التي تزن 72 كلغ عند 30 درجة مئوية.

و تقول ناسا : “كل العمل في السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية على مركبات الكربون وعلى مواد مثل رغوة الكربون ، سمح لنا بذلك”. “ومع ذلك ، أمضينا عامين في تطوير درع الحرارة قبل بقية أجزاء  المركبة الفضائية لأنه بدون درع حراري لم يكن لدينا مهمة”.

كما أن الدرع مغطى بطبقة من الطلاء السيراميكي الأبيض اللامع للمساعدة في تحريف أكبر قدر ممكن من ضوء الشمس.

الدرع لا يحيط بكل جوانب المركبة و مثبت على جانب واحد فقط . حيث يجب أن يعمل كحاجز بين المركبة والشمس في جميع الأوقات ، كما ان لدى مسبار باركر الشمسي نظام تحكم متطور، والذي يهدف إلى الحفاظ على موضعه في المكان المناسب في جميع الأوقات.

و على مسبار باركر الشمسي أن يعمل بشكل مستقل أيضًا ، حيث تستغرق الإشارة اللاسلكية من الأرض حوالي ثماني دقائق للوصول إلى المركبة الفضائية. لهذا السبب ، لدى المركبة مجموعة من أجهزة الاستشعار التي تسمح له بمعرفة زاوية الميلان أو الحاجة لتعديل موقعها. وبهذه الطريقة ، تظل المركبة الفضائية وأجهزتها الأربعة ثابتة و محمية من حرارة الشمس.

القياسات والأدوات الأربعة الرئيسية المستخدمة في مهمة مسبار باركر الشمسي:

1) كاميرا ، تسمى تصوير المجال الواسع ، لالتقاط صور لرحلتها المذهلة . و ستعمل ذلك بالترادف مع أدوات أخرى لتكون قادرة على “رؤية” أشياء مثل التوهجات الشمسية عند قياسها. ومع ذلك ، بمجرد الوصول إلى أقرب نقطة إلى الشمس ، لن تكون هناك إمكانية لالتقاط أي صور مباشرة بسبب الحرارة العالية جدا.

2) ستقوم تجربة “FIELDS” بقياس و تحليل المجالات الكهربائية والمغناطيسية داخل الغلاف الجوي للشمس.

3) سوف تعمل تجربة Electrons Alphas اختصارا SWEAP  على قياس سرعة ودرجة حرارة جسيمات الرياح الشمسية.

4) ستحاول أداة “The Integrated Science Investing of Sun” معرفة كيف أن هذه الجسيمات نفسها تتحرك بسرعة كبيرة ، أكثر من 500 كلم في الثانية.

 فيديو يوضح قياسات “FIELDS” :

و بالنسبة لنجاح المهمة لا يقتصر الأمر على تبريد فقط .فالألواح الشمسية التي يستمر منها المسبار الطاقة تحتاج ايضا إلى طريقة لصد الحرارة. و على الرغم من اعتمادها على الشمس ، إلا أن الألواح الشمسية ، مثل معظم الأجهزة الإلكترونية لن تعمل بشكل صحيح في درجات الحرارة العالية.

و يعمل جهاز الكمبيوتر الموجود في مسبار باركر الشمسي باستمرار على حساب احتياجات الطاقة الخاصة بالمركبة الفضائية حتى يتسنى لها تحديد عدد الألواح التي ستعرض في أي وقت معين، و لمنع ارتفاع درجة حرارتها، تم تعزيز الألواح الشمسية بشبكة تشبه الأوردة يدفق الماء خلالها.

و يحمل المسبار 3.7 لتر من الماء المنزوع المعادن ، والذي يتدفق عبر الألواح إلى أربعة مشعات مخروطية الشكل ، مما يؤدي إلى تبديد الحرارة في هذه العملية. و هو نظام مغلق ، لذا لا يتم فقدان الماء أبداً عبر التبخر.

و صرحت وكالة ناسا أن هذه المهمة أثبتت أنها صعبة للغاية من منظور هندسي ، في حين ستكون مجزية بشكل لا يصدق من الناحية العلمية  : “نحن جميعا نقف مشجعين للعمالقة الذين حققوا هذا الإنجاز … لقد كان هناك الآلاف من الأشخاص يعملون في هذا المشروع على مدى عقود”.

فيديو الإطلاق :

ناسا تعلن إنطلاق العمليات العلمية للمركبة الفضائية “TESS” في مهمتها للبحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية

المصادر : 123

4 تعليقات

    التعليقات معطلة.